#مقالات رأي
لولوة المنصوري 11 سبتمبر 2021
النقطة بدء الطواف، وقطب المعرفة، والنور الأزلي الأول.. الأول المتعدد في موسيقى الأفلاك والشجر والريح والأبعاد السحيقة.
النقطة هي الروح في مبتدأ النفخة، سحر أخاذ في مشوار الأرض، وظلال العالم، سر الأكوان، ورعشة الطبيعة في ذبذبة لا بداية لها ولا نهاية.
النقطة.. القوة القصوى للزوايا الأربع في سرّة الأرض، تلك الهالة العظمى على شكل مكعب يشع من بطن مكة المكرمة. النقطة.. لمعة الصلصال في تشكّله العجيب لهيئة البشريّ الأول، وهي البؤرة التي تتوسط الفصول الأربعة، وعناصر الطبيعة الأربعة، وما الإنسان إلا تلك البؤرة، النقطة المركزية، يدور فيها وحولها ويغوص.. ليصبح أعمق فأعمق.
كل الأشياء تفيض عن النقطة وتتناهى إليها، النقطة صفة الذات، اللغز القديم لتصميم الكون وتفسير الانفجار. هي الأحدية، التي ظهر منها كل امتداد طبيعي تصميمي للمكان والزمان والحدث، هي مركز الوجود الذي تدور حوله أفلاك الأشياء، هي الجزء العظيم الذي يتجزأ بديمومة كبيرة، وتعود الأجزاء إليه. وما الحياة إلا نقطة بين نقطتين (حياة/ موت)، أولئك الواقفون على النقطة الوسطى.. هل تعرفهم؟!
يقول الحلاج: االنقطة أصل كل خط، والخط كله نقطة مجتمعة، فلا غنى للخط عن النقطة، ولا للنقطة عن الخط، وكل خط مستقيم أو منحرف هو متحرك من النقطة بعينها، وكل ما يقع عليه بصر أحد فهو نقطة بين نقطتينب.
للنقطة إشارات عرفانية، مساحات فلسفية جمالية، النقطة هي الفراغ والامتلاء، والمسافة بينهما، وليس اعتباطاً أن تعطف النقطة على الحرف ليجتمعا في الكلمة العربية، وتُخرج حيزها الأجوف الأصم الخاوي إلى فضاء متحرك، يحقق امتلاءه الموسيقي الساحر بالتنقيط. النقطة هي اللغة بأكملها، البعد التأويلي الناطق ببعث الأشياء من مكامنها الميتة، النقطة أول حركة لبعث لغة حية من مدفن اللغات الميتة، أول حركة لإحياء الحيّ من الميت.
لا تعتبر النقطة في تقاليد االزنب من منظور الفنانين الملهمين مظهراً من مظاهر العدم، وإنما هي كالفراغ الذي يمثل صدر الأشكال كلها، امتلاء الكائن، وجوهر الوجود.
النقطة لسان الحرف وطريقه ودليله، إنها العالم الجماليّ المتوالي واللامتناهي. النقطة هي أنا.. أنت.. هم.. وكل تداعيات الحياة، وحيثيات الحركة، والسكون الساطع المهيب في الأبعاد!